الأستاذ عثمان مدير لمدرسة ثانوية، تعرض فيها أحد المعلمين للضرب من مجموعة من الطلاب، فاتخذ قراراً سريعاً وحازماً، بطرد جميع طلاب المدرسة بلا استثناء، فالخير يخص والشر يعم، في اليوم الثاني تفاجأ الطلاب بأبواب المدرسة مغلقة، وقد نفذ الأستاذ وعيده، حاول دوافير الطلاب الدخول، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، أخبر الطلاب آباءهم الذين توجهوا لمقابلة الأستاذ عثمان محاولين إقناعه بفتح المدرسة خاصة أن التصرف كان من بعض الطلاب، لكنه رفض رفضاً قاطعاً و(رأسه وألف سيف) ما تفتح المدرسة حتى تعاد للمعلم كرامته، وللمدرسة هيبتها بالطريقة التي يراها هو، لم يجد الآباء أمام هذا الرفض إلا التوجه إلى مدير تعليم المنطقة، لعله ينقض قرار الأستاذ عثمان فهي ليست (مدرسة أبوه) كما علق بعضهم، رفض مدير التعليم التدخل وحتى التوسط معللاً بأن ذلك راجع لمدير المدرسة، تعالت الأصوات مزبدين ومرعدين ومهددين بالتوجه إلى المحافظ فهو الحاكم الإداري الذي بالتأكيد سيُجبر المدير على فتح المدرسة (هو فاكر نفسه مين؟!!)، توجه الجميع ومعهم المحافظ لمقابلة المدير الذي مع تقديره لهم ولمجيئهم أصر على موقفه، وأنها لن تفتح حتى تُعاد كرامة وهيبة المعلم والمدرسة، أمام هذا الإصرار وافق الجميع على شروط الأستاذ عثمان وهي جلد الطلاب الذين اعتدوا على المعلم أمام زملائهم مع اعتذارهم واعتذار آبائهم وحرمانهم من الدراسة عامهم هذا، فكان له ما أراد.
أعلم ما يدور في ذهنك أخي القارئ وأنت تقرأ هذه القصة، وكأني أرى علامات الاندهاش ترتسم على محياك، ولا عجب فقد اعترانا ما اعتراك بل أكثر، فعندما كان يُحدّثنا زميلنا أثناء اجتماعنا بهذه القصة التي نقلها عن شاهد عيان، كانت وجوهنا من الدهشة تنقل تعابيراً كاريكاتورية فذاك طارت عيونه، والآخر (مط بوزه)، وهذا ارتفع حاجباه فوق جبهته، وهناك من فغر فاه، حتى أننا صحنا بصوتٍ واحد عندما أنهى سرد قصته: وين وين؟ هنا؟!!!، لأننا نعرف أنه من المستحيل أن يكون هذا المدير –القوي- سعودياً، وتنهدنا معاً إييييييييييييه عندما أخبرنا أن الأستاذ عثمان مدير لثانوية في السودان.
إن هذه القصة نموذج بسيط يبيّن أن المدارس في أغلب الدول لها كيان مستقل، ولها حق التشريع والتنفيذ بما يخدم العملية التربوية والتعليمية.
أتمنى في القريب العاجل أن تكون مدارسنا لها مثل هذه الاستقلالية ضمن خطوط عريضة ترسمها الوزارة، وفي الإطار العام لسياسة التعليم في المملكة.
مقال بقلم : حمد بن جزاء العوفي